تعرفت على زياد الرحباني، كما العديد من الناس، عن طريق صديق شيوعي في المدرسة، وأحببت أعماله مع أنها بدت شبه ارتجالية، وغير متناسقة غالبًا، ولم أستطع أن أحدد سبب تعلقي المضطرد بأعماله إلا بعد عقدين من الاستماع إليه، وثورة، وحرب، والكثير من الفقد والأحزان والأفراح.
استحضر الأخوان الرحباني لبنانًا من الطيور المغردة والينابيع الكريستالية، وقرىً لا فقير فيها، وحيث لم تُخترع كلمة الطائفية بعد. عندما أصيب والده عاصي بجلطة دماغية عام ١٩٧٢، انضم زياد الشاب بشكل طبيعي إلى عمل العائلة، وعندما طلبت منه فرقة مسرحية تعيد إنتاج مسرحيات الأخوين الرحباني كتابة عمل أصيل، ألف عمله الأول سهرية، بمثابة تكريم خالص شبيه بأسلوب الرحباني في جوهره، كلها قصص بسيطة وألحان عذبة.
بحلول عام ١٩٧٤ انقلبت الأمور. أعلنت نزل السرور عن زياد مختلف تمامًا؛ قضى بقية مسيرته الفنية كقاتل فني، يخنق بحب الجمالية التي غذته. فبينما غنى والداه عن التراث، سخر من “الفولكلور المخدر للعقل”؛ وحيثما احتفيا برومنسيةٍ بحياة القرية، خلق شخصيات تتعاطى التقاليد كما لو كانت حشيشًا، فتُخدر نفسها عن الواقع؛ ونصحت أغنية الزفاف الأطفال بـ “إنتاج جمهور ثوري”، وعدم “عبادة لبنان” كما قد وعظ والداه يومًا.