ما لا يعرفه الكثير عن العراقيين أنهم شعب يحب الغناء والرقص وكرة القدم بجنون. يشتهر عنهم أنهم شعب صاحب حضارة عريقة، مثقفون وعلماء وأهل لغة وشعر، ويشتهرون بالحزن ويتصدرون في مجال النعي والرثاء، وكذلك لا يخطر العراق ببال إلا وتخطر معه معارِكهم وحروبهم، لكن شكل حياتهم اليومي البسيط، مسرّاتهم العادية، طباعهم في أوقات السلم والتسلية، أُمسياتهم في الأحياء والبساتين والسهرات على ضفاف النهرين أو الخليج أو الصحارى، وهوسهم بكرة القدم. لنقل كل الأشياء التي تنسيهم السرديات الكبرى وتجمعهم بفرح أو حزن جمعيّ يردهم لأبسط شكل من العلاقات، الإنسان وأرضه ومحيطه، غائبة أو مغيبة أو ربما يحتفظون بها لأنفسهم. يعبر هذا الشكل عن نفسه كثقافة شعبية في الطقوس الاعتيادية، الأعراس والتجمعات الشبابية في سهرات السمر، وأثناء وبعد المباريات، في مواسم الحصاد والصيد. يظهر على شكل غناء ورقص شعبيّ، نشأ وتطور في بيئته عبر التاريخ، وكوّن لنفسه أطوارًا ومقامات وأشكال، منها الذي استمر وانتشر على مستوى البلد، وأحيانًا عبر الحدود، وتقاطع مع جغرافيات قريبة من حضارات أخرى كالفارِسية والأَناضولية والحجازية، ومنها ما بقي في بيئته بشكل محدود. في هذا الملف محاولة للكتابة عن الغناء الشعبي في العراق اليوم؛ ونقصد بمفرَدة الشعبي الغناء المنتشر الذي له جذور في التراث. بالطبع لا ندعي تغطية كل أنواع هذا الغناء، لكنها بداية ننطلق بها من زاوية محددة، واخترناها هنا تبعًا لبعض مناطق الجغرافيا. ممهدين بها للكتابة عن هذا الفن من مختلف مناطقه وزواياه. من أقصى جنوب العراق، البصرة، يكتب علي محمود خضير عن الخشابة، في مقال ندّعي أنه الأكثر شمولية عن هذا النوع بين المواد المتاحة على الإنترنت. بينما يقرر حسين عبد الباقي الذهاب للمقامات التي نشأت في الريف العراقي واستقر بعضها خارج المنطقة الحدودية، عند عرب الأحواز، فئة وبرغم رسم خط يفصلها عن امتدادها الجغرافي، احتفظت بموسيقاها سرًا أحيانًا كثيرة، وقاومت الزوال. يذهب حسن شغيدل إلى مناطق غرب العراق، حيث يُغنّى واحد من أبرز ألوان الفن الشعبي، الجوبي. ثم يأتي علي رياض في مقال يحاول به تفسير عودة الزخم لهذه الأنواع الغنائية، بل والغناء القديم أو ما يسمى في العراق زمن الفن الجميل. أما ليلى فتكتب عن الرقص المصاحب لبعض أنواع هذا الغناء، الهجع، واحدة من أشهر الرقصات الشعبية التي تمتد جذورها إلى الحضارة السومرية. في هذا الملف يتقاطع الهامش مع المركز، الهامش من حيث هو يمثل مجموعة احتفظت بغنائها متمسكة بما يطربها ويمزّجها رغم اقتحام الحداثة، ولم تكترث بنشره وتصديره، أو لم تسع بمنهجية للشهرة بل الشهرة سعت إليها، والهامش من حيث هو تفكيك المركزية العالمية وعودة للجذور أو استعادة لشيء ما ربما يشبهنا أكثر. أما المركز فمن حيث هو منظومة تتلقف كل ما يجد بعض الصدى وتدمجه في منظومتها بفعل اتساعها، أو بفعل سعيه هو لإيجاد مكان في العالم في محاولة لإثبات نفسه وقدرته على البقاء. تستغله هي أو يستغلها هو. لا نعلم تحديدًا.
العراق x شعبي x رقص x جوبي x هجع



العراق x شعبي x ميكس
أعد الميكس شاب روكي ضمن ملف يتناول الشعبي من موسيقى العراق، ونصل فيه إلى المسافة صفر من قوالب وتقاليد غنائية وموسيقية متجذرة في الطبع والتاريخ العراقي، ومسؤولة عن جُلّ ما يسحرنا في تلك الموسيقى. في الميكس أغاني خشابة وهوسات وجوبي، تتداخل معها مقطوعات الهجع وأغانٍ من الأحواز.

ليالي الأنس في البصرة | حكاية ومحنة فن الخشابة
وكان ماءٌ ونخلٌ، ورملةٌ تنعقدُ على مفارقها ركائب التائهين في صهيد من ذهب. أبو الخصيب والزبير، مفازتان بصريّتان اختزنتا جواهر العرب ووافدي بحرها من شعر ونثر وعلومِ حديث، مثلما تجاوبت في بساتينها وحدائق كرومها أَشْداء نفوس غنّت شجوها عفو الخاطر، طربًا حينًا، وتضرعًا ومواساة أحيانًا، بين غضون حياة تتلوى بين الكدّ والكد. ولأنها البصرة، ولأن ...

رقص الهجع من صلوات المعبد إلى ملاهي أربيل
تلف رغباتنا المتاهة ذاتها التي تلف ما نكره. نتوه ونصاب بالدوار، هل منتهى الدوار السقوط أم الطيران؟ ندور ندور حول أنفسنا، حول الغير، حول عالمنا، ربما نصل لحلّ اللغز أو إلى إله المتاهة. نرقص. كما في غيرها من حضارات العالم القديم، قدّست حضارة بلاد الرافدين الدائرة. شكل هندسي منتظم، تام، مكتمل، لا بداية له ولا ...

هلا باليلعب | الجوبي من الغربية إلى التيك توك
دم دم دم تك دم تك تك، ما أن تسمع هذا الإيقاع في العراق، تشعر برغبة في رفع قدمك اليمنى ثم الانسحاب خطوتان ثم رفع قدمك الأخرى، ممسكًا بالإبهام والسبابة مسبحة أو قطعة قماش تلفها بقوة حول كف اليد المقبوض. هذه الخطوات المتناغمة التي تؤدى ضمن صف جماعي عادة، يتشابك فيه المشاركون بأيديهم ويتحركون تبعًا ...

لا مكان للغزل | أغاني الأحواز بين الريف والمدينة
في الأحواز، تصدح ليالي الأفراح بصوت يُشبه العزاء، ويُغنّى الحزن كما يُغنّى الفرح. تُفرش الأرض بالبُسط، وتُحيط بالمكان أسوار، فيصبح أشبه بحجرة قلب دافئة. في المنتصف، يُنصب موقد، وتُرتب دلّات القهوة، ليُعلن عن كرم الضيافة واستقبال المهنئين. يتوافد الناس ويترقب المكان كله لحظة الانطلاق. قبيل أذان المغرب، تكتمل الصفوف، ليُفتتح الحفل بِطور العلوانية

رافقتني الونّة والحسرات | كيف عادت الأغنية العراقية المنسيّة
لدى تصفح فيديوهات عشوائية على إنستجرام أو تيك توك، والتعثر بكل ما هو عبثي وساذج، تظهر شابة عشرينية تؤدي مقامًا غناه الفنان فؤاد سالم أول مرة قبل نحو نصف قرن. يجرّ ذلك ظهور الكثير من أعمال التراث الغنائي المندثر والمنسي بأصوات شابة جميلة، أغلبهم هواة، وفي أماكن عادة ما تكون منازلهم أو مقاهيًا أو خلال ...

حذرنا ياما وحذرناهم | هوسات وأهازيج المقاومة العراقية
في أغنية سائرة في العراق، فُطم الطفل بإعطائه مفصل البندقية لهّايَةً، تقابلها هوسة لامرأة من الجنوب أنشدتها في ثورة العشرين ، سألت فيها المقاتلين عن ابنها لدى عودتهم فأجابها أخوها “جنك لا هزيتي ولا لوليتي” أي وكأنك لم تهزي مهده ولا هدهدتِ له، فقد استشهد، لتجيب: “هزيت ولوليت ...